فصل: هل تؤثِّر العين فعلا أم لا؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


هل الإنسان يكون له عمر إذا وصل رحمه ، وعمر إذا لم يصل‏؟‏

‏(‏210‏)‏ سئل- حفظه الله تعالى -‏:‏ ما معنى قوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه‏)‏ ‏.‏ متفق عليه من حديث أنس ‏.‏ وهل معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمر إذا وصل رحمه ، وعمر إذا لم يصل‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ليس معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمران ‏:‏ عمر إذا وصل رحمه وعمر إذا لم يصل ، بل العمر واحد ، والمقدر واحد والإنسان الذي قدر الله له أن يصل رحمه سوف يصل رحمه، والذي قدر الله أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ولا بد ، ولكن الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير ، كما نقول ‏:‏ من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج ، فالزواج مكتوب، والولد مكتوب ، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد أراد أن تتزوج ، ومع هذا فإن الزواج والولد كلاهما مكتوب ، كذلك هذا الرزق مكتوب من الأصل ، ومكتوب أنك ستصل رحمك ، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله ، يبسط لك في الرزق ، وينسأ لك في الأثر ، وإلا فكل شيء مكتوب لكن لما كانت صلة الرحم أمراً ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي ، عليه الصلاة والسلام على ذلك بأن الإنسان إذا أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ، وإلا فإن الواصل قد كتبت صلته وكتب أن يكون عمره إلى حيث أراد الله -عز وجل- ثم اعلم أن امتداد الأجل ، وبسط الرزق أمر نسبي ، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه ، ويبسط له في رزقه بعض الشيء ، ولكن عمره يكون قصيراً وهذا مشاهد ، فنقول ‏:‏ هذا الذي كان عمره قصيراً مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر ، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني‏.‏

الرد على من إذا نهي عن معصية احتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله غفور رحيم‏}

‏(‏211‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن احتجاج العاصي إذا نهي عن معصية بقوله - تعالى- ‏:‏ ‏{‏إن الله غفور رحيم‏}‏ ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ إذا احتج بهذا احتججنا عليه بقوله - تعالى-‏:‏ ‏{‏نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ‏.‏ وأن عذابي هو العذاب الأليم‏}‏ وبقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم‏}‏ ‏.‏ فإذا أتى بآيات الرجاء يقابل بآيات الوعيد‏.‏

وليس هذا الجواب منه إلا جواب المتهاون ، فنحن نقول له‏:‏ اتق الله ـ عز وجل -وقم بما أوجب الله عليك ، واسأله المغفرة ، لأنه ليس كل أحد يقوم بما أوجب الله عليه يقوم به على وجهه الأكمل‏.‏

كيف يكون القضاء والقدر معيناً على زيادة إيمان المسلم‏؟‏

‏(‏212‏)‏ سئل فضيلة الشيخ‏:‏ كيف يكون القضاء والقدر معيناً على زيادة إيمان المسلم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ يكون الإيمان بالقضاء والقدر عوناً للمسلم على أمور دينه ودنياه ؛ لأنه يؤمن بأن قدرة الله -عز وجل - فوق كل قدرة ، وأن الله ـ عز وجل- إذا أراد شيئاً فلن يحول دونه شيء ، فإذا آمن بهذا فعل الأسباب التي يتوصل بها إلى مقصوده ، ونحن نعلم فيما سبق من التاريخ أن هناك انتصارات عظيمة انتصر فيها المسلمون مع قلة عددهم وعددهم ، كل ذلك لإيمانهم بوعد الله -عز وجل-وبقضائه وقدره وأن الأمور كلها بيده-سبحانه-‏.‏

كيف يمكن الجمع بين حديث ‏:‏ ‏(‏لا عدوى ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وبين حديث‏:‏ ‏(‏فر من المجذوم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏213‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن قول النبي ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عدوى ، ولا طيرة ولا هامة ، ولا صفر‏)‏ متفق عليه ‏.‏ وما نوع النفي في الحديث‏؟‏ وكيف نجمع بينه وبين حديث‏:‏ ‏(‏فر من المجذوم فرارك من الأسد‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ ‏"‏العدوى‏"‏ انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون في الأمراض المعنوية الخلقية ، ولهذا أخبر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أن جليس السوء كنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة فقوله ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عدوى‏"‏ يشمل العدوى الحسية والمعنوية‏.‏

و ‏"‏الطيرة‏"‏ هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع ، أو معلوم‏.‏

و ‏"‏الهامة‏"‏ فسرت بتفسيرين ‏:‏

الأول ‏:‏ داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره ، وعلى هذا التفسير يكون عطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام ‏.‏

الثاني ‏:‏ طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل ، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه تكون بصورة الهامة ، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة ، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره ، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا ‏:‏ إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل‏.‏

و‏"‏صفر‏"‏ فسر بتفاسير‏:‏

الأول ‏:‏ أنه شهر صفر المعروف ، والعرب يتشاءمون به‏.‏

الثاني‏:‏ أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر ، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام‏.‏

الثالث‏:‏ صفر شهر صفر ، والمراد به النسيء الذي يضل به الذين كفروا ، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً ، ويحرمونه عاماً ‏.‏ وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله - عز وجل -فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر‏.‏

وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً من شهر صفر أرخ ذلك وقال‏:‏ انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير‏.‏ ‏.‏ فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة ، والجهل بالجهل ‏.‏ فهو ليس شهر خير ، ولا شر‏.‏ ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال‏:‏ ‏"‏خيراً إن شاء الله‏"‏ فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور‏.‏

فهذه الأربعة التي نفاها الرسول ، صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب التوكل على الله ، وصدق العزيمة ، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور‏.‏

وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين ‏:‏

الأولى‏:‏ إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علق أفعاله بما لا حقيقة له‏.‏

الثانية ‏:‏ أن لا يستجيب لها بأن يقدم ولا يبالي ، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم ، وهذا و إن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله عز وجل‏.‏ وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر إلى ذكر النار قال‏:‏ هذا فأل غير جميل، وإذا نظر إلى ذكر الجنة قال‏:‏ هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل اهل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام‏.‏ والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود ، لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير ، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سبب صحيح وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته ، فالعدوى موجودة ، ويدل لوجودها قوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يورد ممرض على مصح‏)‏ أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة ، لئلا تنتقل العدوى‏.‏

وقوله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فر من المجذوم فرارك من الأسد‏)‏ ‏"‏الجذام‏"‏ ‏:‏ مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه ، حتى قيل ‏:‏ إنه الطاعون ، فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى ، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها ، لكن تأثيرها ليس أمراً حتمياً بحيث تكون علة فاعلة ، ولكن أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالفرار من المجذوم ، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب ، لا من باب تأثير الأسباب بنفسها قال الله-تعالى-‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ولا يقال ‏:‏ إن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ينكر تأثير العدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما قال‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ قال رجل‏:‏ يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الظباء فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب ‏؟‏‏!‏ فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ فمن ‏"‏ اعدي الأول ‏"‏ ‏؟‏

فالجواب‏:‏ أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أشار بقوله ‏:‏ ‏(‏فمن أعدى الأول‏)‏ إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبير الله - عز وجل-فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله -عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم ، وقد لا يكون له سبب معلوم ، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله -تعالى- ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله - تعالى - ما جرب ، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ، ويسلم آخرون ولا يصابون ، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم عليه رجل مجذوم فأخذه بيده وقال له‏:‏ ‏"‏كل‏"‏ أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لقوة توكله ، صلى الله عليه وسلم فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي ‏.‏ وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث وادعى بعضهم النسخ ، وهذه الدعوى غير صحيحة؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع ، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين ، وفي النسخ إبطال أحدهما ؛ وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة ‏.‏ والله الموفق‏.‏

الحسد

هل العين تصيب الإنسان ‏؟‏ وكيف تعالج‏؟‏ وهل التحرز منها ينافي التوكل‏؟‏

‏(‏214‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ هل العين تصيب الإنسان ‏؟‏ وكيف تعالج‏؟‏ وهل التحرز منها ينافي التوكل‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم‏}‏ ‏.‏ قال ابن عباس وغيره في تفسيرها ‏:‏ أي يعينوك بأبصارهم ، ويقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا‏)‏ رواه مسلم ‏.‏ ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال‏:‏ ‏(‏لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة‏)‏ فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقيل له ‏:‏ أدرك سهلاً صريعاً فقال‏:‏ ‏(‏من تتهمون‏؟‏‏)‏ قالوا ‏:‏ عامر بن ربيعة فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة‏)‏ ‏.‏ ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه وفي لفظ ‏:‏ يكفأ الإناء من خلفه ‏.‏ والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره‏.‏

وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي ‏:‏

1- 1- القراءة ‏:‏ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا رقية إلا من عين أو حمة‏)‏ ‏.‏ وقد كان جبريل يرقي النبي ، صلى الله عليه وسلم فيقول‏:‏ ‏(‏باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك‏)‏ ‏.‏

2- 2- الاستغسال‏:‏ كما أمر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب‏.‏

أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره ، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم ‏.‏

و التحرز من العين مقدماً لا باس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل ؛ لأن التوكل الاعتماد على الله -سبحانه - مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يعوذ الحسن والحسين ويقول‏:‏ ‏(‏أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامّة‏)‏ ويقول ‏:‏ هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام‏.‏ رواه البخاري‏.‏

هل تؤثِّر العين فعلا أم لا‏؟‏

‏(‏215‏)‏وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ اختلف بعض الناس في العين فقال ‏:‏ بعضهم لا تؤثر لمخالفتها للقرآن الكريم فما القول الحق في هذه المسألة‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ القول الحق ما قاله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهو ‏:‏ ‏(‏إن العين حق‏)‏ وهذا أمر قد شهد له الواقع ولا أعلم آيات تعارض هذا الحديث حتى يقول هؤلاء ‏:‏ إنه يعارض القرآن الكريم ، بل إن الله ـ سبحانه وتعالى - قد جعل لكل شيء سبباً ، حتى إن بعض المفسرين قالوا في قوله-تعالى-‏:‏ ‏{‏وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر‏}‏ قالوا ‏:‏ إن المراد هنا العين ‏.‏ ولكن على كل حال سواء كان هذا هو المراد بالآية أم غيره، فإن العين ثابتة وهي حق ولا ريب فيها ، والواقع يشهد لذلك منذ عهد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، إلى اليوم ‏.‏

ولكن من أصيب بالعين فماذا يصنع‏؟‏ الجواب‏:‏

يعامل بالقراءة ، وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه ثم يعطي للمعيون يصب على رأسه وعلى ظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله ، وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ، ويربصونها بالماء ثم يسقونها المصاب، ورأينا ذلك يفيده حسبما تواتر عندنا من النقول ،فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله ؛ لأن السبب إذا ثبت كونه سبباً شرعاً أو حساً فإنه يعتبر صحيحاً ‏.‏ أما ما ليس بسبب شرعي ولا حسي فإنه لا يجوز اعتماده ، مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين فإن هذا لا أصل له، سواء كانت هذه من القرآن الكريم ، أو من غير القرآن الكريم ، وقد رخص بعض السلف في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن الكريم ودعت الحاجة إليها‏.‏

حكم من إذا نظر إليه أحد وهو يأكل يرمي قطعة على الأرض خوفاً من العين

‏(‏216‏)‏ سئل الشيخ ‏:‏ عما يفعله بعض الناس عندما يرى من ينظر إليه وهو يأكل يرمي قطعة على الأرض خوفاً من العين فما حكم هذا العمل‏؟‏

فأجاب ـ حفظه الله تعالى ورعاه - بقوله ‏:‏ هذا اعتقاد فاسد ، ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما بها من الأذى وليأكلها‏)‏ ‏.‏

الكفر والتكفير

هل إنكار الخالق كفر‏؟‏

‏(‏217‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل إنكار الخالق كفر‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الظاهر أن هذا السؤال كمن يسأل هل الشمس شمس‏؟‏ وهل الليل ليل‏؟‏ وهل النهار نهار‏؟‏ فمن الذي يشكل عليه أن منكر الخالق لا يكون كافراً ، مع أن هذا ، أعني إنكار الخالق ما وجد فيما سلف من الإلحاد ، وإنما وجد أخيراً ، وكيف يمكن إنكار الخالق والأدلة على وجوده - جل وعلا - أجلى من الشمس ‏.‏

وكيف يصح في الأذهان شيء ** إذا احتاج النهار إلى دليل‏؟‏

وأدلة وجود الخالق والحمد لله موجودة في الفطر والعقول، والشاهد والمحسوس ، ولا ينكره إلامكابر بل حتى الذين أنكروه قلوبهم مطمئنة بوجوده، ، كما قال الله - تعالى - عن فرعون الذي أنكرالخالق وادعى الربوبية لنفسه قال‏:‏‏{‏وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً‏}‏ وقال - جل ذكره- عن موسى وهو يناظر فرعون ‏:‏ ‏{‏لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر‏}‏ ثم إن هؤلاء الذين ينكرون الخالق هم في الحقيقة منكرون لأنفسهم ، لأنهم هم الآن يعتقدون أنهم ما أوجدوا أنفسهم ويعلمون ذلك ، ويعتقدون أنه ما أوجدتهم أمهاتهم ، ولا أوجدهم آباؤهم، ولا أوجدهم أحد إلا رب العالمين -سبحانه وتعالى - كما قال تعالى ‏:‏ ‏{‏أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون‏}‏ وتعجب جبير بن مطعم على أنه لم يؤمن بعد أن سمع هذه الآية يقرؤها النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال ‏:‏ ‏(‏كدت أطير‏)‏ من كونها دليلاً قاطعاً ظاهراً على وجود الخالق-سبحانه وتعالى-، وهؤلاء المنكرون للخالق إذا قيل ‏:‏ لهم من خلق السماوات والأرض‏؟‏ ما استطاعوا سبيلاً إلا أن يقولوا‏:‏ الذي خلقها الله، لأنها قطعاً لم تخلق نفسها ، وكل موجود لا بد له من موجد واجب الوجود وهو الله ‏.‏ لو أن أحداً من الناس قال ‏:‏ إن هذا القصر المشيد المزين بأنواع الثريات الكهربائية وغيرها إنه بنى نفسه ،لقال ‏:‏ الناس إن هذا أمر جنوني ‏.‏ ولا يمكن أن يكون فكيف بهذه السموات والأرض ، والأفلاك والنجوم السائرة على هذا النظام البديع الذي لا يختلف منذ أن خلقه الله عز وجل إلى أن يأذن الله بفناء هذا العالم ، وأعتقد أن الأمر أو ضح من أن يقام عليه الدليل ‏.‏ وبناء على ذلك فإنه لا شك أن من أنكر الخالق فإنه مختل العقل كما أنه لا دين عنده وأنه كافر لا يرتاب أحد في كفره‏.‏

وهذا الحكم ينطبق على المقلدين لهذا المذهب الذين عاشوا في الإسلام ، لأن الإسلام ينكر هذا إنكاراً عظيماً ، ولا يخفى على أحد من المسلمين بطلان هذا الفكر وهذا المذهب ، وليسوا معذورين لأن

لديهم من يعلمهم ، بل هم لو رجعوا إلى فطرهم ما وجدوا لهذا أصلاً‏.‏

هل يجوز أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر‏؟‏

‏(‏218‏)‏ سئل فضيلة الشيخ-حفظه الله- ‏:‏ هل يجوز أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ نعم يجوز لنا أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر ، إذا تحققت فيه أسباب الكفر ، فلو أننا رأينا رجلاً ينكر الرسالة، أو رجلاً يبيح التحاكم إلى الطاغوت ، أو رجلاً يبيح الحكم بغير ما أنزل الله ، ويقول ‏:‏ إنه خير من حكم الله بعد أن تقوم الحجة عليه ، فإننا نحكم عليه بأنه كافر فإذا وجدت أسباب الكفر وتحققت الشروط وانتفت الموانع فإننا نكفر الشخص بعينه ونلزمه بالرجوع إلى الإسلام أو القتل ‏.‏ والله أعلم‏.‏

هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفراً‏؟‏

‏(‏219‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفراً‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد، فيعامل معاملة المرتد في الدنيا هذا باعتبار أحكام الدنيا أما أحكام الآخرة فتذكر على العموم لا على الخصوص ولهذا قال أهل السنة‏:‏

لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي ، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكذا نقول ‏:‏ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين ، إذ إن الحكم المعلق بالأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه‏.‏

شروط الحكم بتكفير المسلم‏؟‏ وحكم من عمل شيئاً مكفراً مازحاً‏؟‏

‏(‏220‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن شروط الحكم بتكفير المسلم‏؟‏ وحكم من عمل شيئاً مكفراً مازحاً‏؟‏

فأجاب ـ حفظه الله تعالي ـ بقوله ‏:‏ للحكم بتكفير المسلم شرطان ‏:‏ أحدهما ‏:‏ أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر‏.‏

الثاني ‏:‏ انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له، فإن كان جاهلاً لم يكفر‏.‏ لقوله -تعالى- ‏:‏ ‏{‏ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً‏}‏ ‏.‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً‏}

لكن إن فرط بترك التعلم والتبين ، لم يعذر ، مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ، ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ‏.‏

وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك ، مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه ، كقول صاحب البعير الذي أضلها ، ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه ، وقال‏:‏ ‏(‏اللهم أنت عبدي وأنا ربك‏)‏ أخطأ من شدة الفرح‏.‏

لكن من عمل شيئاً مكفراً مازحاً فإنه يكفر لأنه قصد ذلك ، كما نص عليه أهل العلم‏.‏

حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك‏؟‏

‏(‏221‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الجهل بالحكم فيما يكفر كالجهل بالحكم فيما يفسق، فكما أن الجاهل بما يفسق يعذر بجهله كذلك الجاهل بما يكفر يعذر بجهله ولا فرق لأن الله - عز وجل - - يقول‏:‏ ‏{‏وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون‏}‏ ‏.‏ ويقول الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً‏}‏ ‏.‏ وهذا يشمل كل ما يعذب عليه الإنسان ويقول الله -عز وجل -‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم‏}

لكن إذا كان هذا الجاهل مفرطاً في التعلم ولم يسأل ولم يبحث فهذا محل نظر ‏.‏ فالجهال بما يكفر وبما يفسق إما أن لا يكون منهم تفريط وليس على بالهم إلا أن هذا العمل مباح فهؤلاء يعذرون ، ولكن يدعون للحق فإن أصروا حكم عليهم بما يقتضيه هذا الإصرار ، وأما إذا كان الإنسان يسمع أن هذا محرم أو أن هذا مؤد للشرك ولكنه تهاون أو استكبر فهذا لا يعذر بجهله‏.‏

هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد‏؟‏

‏(‏222‏)‏ وسئل- رعاه الله بمنه وكرمه-‏:‏ هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه ، لأن الله -سبحانه وتعالى-قال‏:‏ ‏{‏إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده‏}‏ حتى قال - عز وجل- ‏:‏ ‏{‏رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل‏}‏ ولقوله ـ تعالى ـ‏:‏ ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً‏}‏ ‏.‏ ولقوله ـ تعالى ـ‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون‏}‏ ‏.‏ ولقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار‏)‏‏.‏ والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم‏:‏ ‏{‏إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون‏}‏‏.‏ وفي الآية الثانية‏:‏ ‏{‏وإنا على آثارهم مقتدون‏}‏‏.‏ فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له، هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين فإن حكمه حكم أهل الدين، الذي ينتسب إليه في الدنيا‏.‏ وأما في الآخرة فإن شأنه شأن أهل الفترة يكون أمره إلى الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة، واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد‏.‏